قطرة ماء،منتدى للجميع



انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

قطرة ماء،منتدى للجميع

قطرة ماء،منتدى للجميع

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
قطرة ماء،منتدى للجميع

قطرة ماء منتدى متنوع،تعليمى ،ثقافى،إسلامى،رياضى،اجتماعى،تاريخى

أهلاً بك فى منتدى قطرة ماء، منتدى خاص بطلاب، ومدرسى سعاد محرم الثانوية

    الجمال والإلتزام فى الفن الإسلامي

    وفاء شلبى
    وفاء شلبى


    المساهمات : 35
    تاريخ التسجيل : 15/11/2010
    الموقع : مصر

    الجمال والإلتزام فى الفن الإسلامي Empty الجمال والإلتزام فى الفن الإسلامي

    مُساهمة من طرف وفاء شلبى السبت ديسمبر 04, 2010 1:39 pm

    الجمال والإلتزام في الفن الإسلامي
    **************************


    تعريف الجمال والإلتزام والفن:
    الجمال: لغة مصدر الجميل، والفعل جَمُلَ فهو جميل، يقول تعالى: (وَلَكُمْ فيها جَمالٌ حينَ تُرِيحُونَ وحين تسْرَحُونَ) [النحل: 6] أي بهاء وحسن. والجمال: الحسن، يكون في الفعل والخلق. والجمال عند الفلاسفة: صفة تلحظ في الأشياء وتبعث في النفس سروراً ورضاً، وعلم الجمال باب من أبواب الفلسفة يبحث في الجمال وماقييسه ونظرياته.
    والإلتزام لغة: الإعتناق، من لزم الشيء لزوماً: ثبت ودام، ولزم الشيءُ فلاناً: وجب عليه، وألزم فلاناً الشيء: أوجبه عليه، والتزم الشيء أو الأمر: أوجبه على نفسه. واصطلاحاً: المشاركة بفكرة أو قضية والإرتباط بها، والدفاع عنها والدعوة والعمل لها. وهي نظرية أدبية ولدت مع النظريات السياسية الجديدة، وأصبحت في طليعة القضايا النقدية الحديثة.
    والفن لغة: الضرب واللون من الشيء، والجمع فنون وأفنان. وتوسعت المعاجم الحديثة في المعنى، ففي المعجم الوسيط: الفن جملة القواعد الخاصة بحرفة أو صناعة، وجملة الوسائل التي يستعملها الإنسان المشاعر والعواطف وبخاصة عاطفة الجمال: كالتصوير، والموسيقى، والشعر، وهو مهارة يحكمها الذوق والمواهب. والفنان صاحب الموهبة الفنية: كالشاعر، والكاتب، والموسيقي، والمصوِّر، والممثِّل.
    المعاني التي تدور حولها كلمة فن هي: التزيين، والتنويع، والإتيان بالجديد المعجب.
    يقول العقاد: الفن هو الخط واللون، ومنه التفنين بمعنى: التزيين والتزويق، والأفانين بمعنى: الفروع أو الضروب، وهكذا كل ما ينظر بالأعين أو يدرك بالأفكار.
    ويرى عبدالرحمن حبنكة الميداني أن "الجمال شيء يصعب تحديده، ولكن باستطاعة النفوس أن تحس به وتتذوقه متى أدركته. وهو: "دقيق العناصر متشابكها، فهو شيء يصعب جداً تحديده، ويصعب قياسه، ولا تنحصر ألوانه". ويرى عبد الحميد حسن أنّ "الجمال معنى من المعاني المجردة التي يمكن إدراكها، ولكن يصعب تحديد حقيقتها. فهو شائع في الكون مُنبثٌ فيه في كثير مما يبدو من زهر وشجر، وما يطرق الأسماع من شدو الطير، وعزف العازفين... ."
    وقد وردت في القرآن مصطلحات أخرى تدل على الجمال بقسميه: المادي، والمعنوي: ومنها: الإتقان، والإحسان، والتسوية، والإتساق، والتقويم، والتعديل، وعدم التفاوت، وغيرها.
    الجمال: أهميته، وغايته، ومجالاته
    1- مفهوم الجمال وإهتمام الإسلام به:
    مفهوم الجمال في الإسلام واسع ومتنوع ومتعدد الجوانب، فهو مفهوم شمولي يكون في المحسوسات والأفكار والمعاني والمشاعر وغيرها، وكل ما في هذا الكون من صنع الله جميل، فالله (الّذي أحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ،) [السجدة: 7] وهو المتقن لصنعه (صُنْعَ اللهِ الّذي أتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إنَّهُ، خَبيرُ بِما تَفْعَلُونَ،) [النمل: 88] وهو ذاته جميل يحب الجمال في كل شيء، كما ورد في الحديث أن الرسول (ص) قال: "لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كِبْر، قال رجل: إن الرجل "يحب أن يكون ثوبه حسناً ونعله حسنة، قال: "إن الله جميل يحب الجمال، الكِبْر، بطر الحق وغمط الناس،" فهذا الحديث الشريف ربط الجمال بالحق والعدل، الذي ضد الإعتداء والظلم وتجاوز الحدود، وهو إشارة إلى ما ينبغي أن يكون عليه الجمال في جميع سلوك البشر من ضرورة مطابقة جمال الظاهر لجمال الباطن. وإهتمام الإسلام بالجمال واضح؛ إذ يلفت الإسلام انتباه المسلم إلى جمال صنع الله في الكون والطبيعة والمخلوقات في قوله تعالى: (أفَلا يَنظُرُونَ إلى الْإبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ [17] وَإلَى السَّمآءِ كَيْفَ رُفِعَتْ [18] وَإلَى الجِبالِ كَيْفَ نُصِبَتْ [19] وَإلَى الأرضِ كِيْفَ سُطِحَتْ،) [الغاشية: 17- 20].
    كما لفت الإسلام انتباه المسلم إلى جمال صنع الله، وحثه على محاولة تمثل هذا النموذج الإلهي في الإتقان والإبداع، كما في الحديث: "إن الله يحب من أحدكم إذا عمل عملاً أن يتقنه". و"أن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فاحسنوا القِتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة، وليحدَّ أحدكم شفرته، وليُرِحْ ذبيحته". نعم حتى في القتل والذبح يجب مراعاة الإحسان فيهما، حتى لا تشذّ عملية القتل والذبح عن الجمال الذي هو ناموس الكون. وفي المعارك حرم الإسلام التمثيل في جثث القتلى؛ لأن في ذلك ما ينافي الجمال.
    وحرص الإسلام على المحافظة على الجمال الظاهر حتى في ميدان القتال حين يكثر الهرج والمرج، ويختلط الحابل بالنابل: الجمال المتمثل في وحدة الصف، ووحدة الكلمة، ووحدة القصد والهدف (إنَّ اللهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِى سَبِيلِهِ صَفَّاَ كَأَنَّهُم بُنيانُ مَّرصُوصُ) [الصف: 4] وربط الإسلام الجمال بقيم معنوية كثيرة لمراعاتها في سلوك المسلم الخلقي، مثل: الصبر لقوله تعالى: (قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرُ جَمِيلٌ عَسَى اللهُ أَن يأتِيَنىِ بِهِمْ جَمِيعاً،) [يوسف: 83] والصبر الجميل هو الذي لا جزع فيه ولا شكوى لغير الله، وقال في العفو والصفح: (وَإِنَّ السَّاعَةَ لَأَتِيَةُ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ،) [الحجر: 85] أي الذي لا عتاب معه، وقال في الحجر والمفارقة: (وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً) [المزمل: 10] والهجر الجميل هو الذي لا عتاب فيه ولا يشوبه أي شتم.
    وهكذا نرى الإسلام يهتم بالجمال في كل شيء ، ويدعو الإنسان المسلم إلى المحافظة عليه في سلوكه الداخلي والخارجي، يقول عبد الخالق دومة: "وقد نمّى القرآن الكريم الحس الجمالي عند المسلم، وبناه على قيم الحق والخير والفضائل كلها، سواء أكان جمالاً حسياً منظوراً أم جمالاً معنوياً متدبراً، وقرن القرآن الكريم القيم الدينية والإجتماعية والنفسية والخلقية بالجمال... حتى الهجر نفسه يجب أن يكون جميلاً".
    وهذا الإهتمام الإسلامي الرفيع بالجمال استهوى الدكتور عماد الدين خليل فقال: "الإنسان المسلم فنان بطبعه، منفتح بكل إحساسه ومشاعره على قيم الكون والعالم بأوسع أطرها...".
    2- علاقة الجمال بالتوحيد وغايته وهدفه:
    الجمال مطلب توحيدي يراد تحققه في الدنيا والآخرة؛ لأن الله هو الجميل ويحب الجمال، وبجماله الذاتي خلق الأشياء فأحسن خلقها. ومن كمال التوحيد حب الجمال، والسعي إلى إدراكه في الأعمال والأخلاق والفنون، والجمال أفضل ما يرجو المؤمن حصوله يوم القيامة، ويتمثل في النظر إلى جمال وجهه سبحانه وتعالى: (وُجُوهُ يُومئِذٍ نَّاضِرَةٌ [22] إِلَى رَبِهاَ نَاظِرَةٌ القيامة) [القيامة: 22- 23] والوسيلة إلى إدراك هذا الجمال المطلق، واللذة المتناهية هي التوحيد. وهكذا فالتوحيد مع الوحدة والحركة- عند بعض الدراسين- من منطلقات الجمال.
    وإذا حللنا معنى كلمة التوحيد "أشهد أن لا إله إلا الله" نرى أنها تنطوي على معان جمالية كثيرة؛ لأنها الحق المطلق، والحق الأبلج، وفيها جمال؛ لأن فيها إعترافاً بالحقيقة، إعترافاً من الحقيقة المخلوقة (الإنسان) إلى الحقيقة الخالقة (الله)، وفيها علاقة حيوية وحركية بين العالم العلوي والعالم السفلي: وشائج الحقيقة الألوهية النازلة، والعبودية الصاعدة اللتين تلتقيان في ترابط وإنسجام دائمين.
    تأمل في (أشهد) بصيغة الحاضر الدائمة التجدد والمثول أمام بصر المؤمن وبصيرته في كل وقت، وفي كل مكان، وفي كل حالة. وتأمل حركة الصورة في (لا إله إلا الله) الصورة الحالة والزائلة في النفي والإثبات، ولاحظ الحركة فيها: إبعاد ففراغ وزوال مطلق (لا إله) ثم حلول وخلاء مطلق (إلا الله). زوال كل شيء من كرسي الألوهية وحلول الله المولى فيه. ما أقصر هذه العبارة وما أجل معانيها! ويرتبط الجمال بالجلال لله- تعالى- عند بعض الصوفية، وذلك ما أشار إليه محيي الدين إبن عربي؛ إذ يقول: حقائق العارفين الجلال هابت وإنقبضت، وإذا شاهدت الجمال أنست وإنبسطت، فجعلوا الجلال للقهر والجمال للرحمة".
    وليس هدف الإسلام من الجمال وإكتشاف مظاهره المختلفة هو الوقوف على الجمال الظاهري وحده، بل تجاوز هذا الجمال الظاهري إلى ما وراءه. فلذلك نجد معظم الآيات التي يمتنّ الله بها على العباد تختم بالدعوة إلى التدبر أو التفكر إلى قدرة الله التي أوجدت هذه المظاهر.
    ففي معرض الحديث عن اللباس الذي جعله الله ستراً وجمالاً للإنسان يقول سبحانه وتعالى: (يَا بَنِى ءَادَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِى سَوْءَاتِكُمْ وَرِيشاً وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرُ) [الأعراف: 26] وهذه الآية الكريمة تقر بأن اللباس الحقيقي الذي هو التحلي بالتقوى، خير من اللباس الظاهري.
    ومهما يكن الجمال خلاباً وفاتناً فيجب ان يتناسق مع الجمال الباطني حتى يحبه الله، والله يحب أن يراه ظاهراً على عباده بشرط ألا يكون للتكبر والخيلاء؛ (وَاللهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ) [الحديد: 23] وعلى هذا الأساس كانت زينة قارون محل إعراض وإنكار من العقلاء- لأن هدفها الخيلاء والكبر- وإن تمناها أهل الدنيا؛ (فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ فِى زِينَتِهِ قالَ الّذينَ يُرِيدُونَ الحَيَاةَ الدُنْيا يالَيْتَ لَنا مِيْلَ مَآ أوتِىَ قارُونُ إنَّهُ, لَذُوحَظٍّ عَظيمٍ [79] وَقالَ الّذينَ أوتُواْ الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوابُ اللهِ خيْرُ لِّمَنْ ءَامَنَ وَعَمِلَ صالِحاً) [القصص: 79- 80].
    وإذا انتقلنا إلى جمال المرأة نجد شرط الإسلام في المطابقة بين الظاهر والباطن ماثلاً أمامنا (وَلا تَنكِحُواْ الْمُشْرِكاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ ولَأمَةُ مُّؤْمِنةٌ خَيْرُ مِّن مُّشْرِكَةٍ وَلَوْ أعْجَبَتْكُمْ وَلَا تُنكِحُواْ المُشرِكِينَ حَتَّى يُؤمِنُواْ وَلَعَبْدُ مُّؤْمِنٌ خَيْرُ مُّشْرِكٍ وَلَوْ أعْجَبَكُمْ) [البقرة: 221] نعم، ولو أعجبتكم بحسنها وجمالها الظاهري.
    وقد ورد أن النبي (ص) حثّ أصحابه على عدم الإنخداع بجمال المرأة الظاهري فقال: "إياكم وخضراء الدمن، قيل: وما خضراء الدمن يا رسول الله؟ قال المرأة الحسناء في منبت السوء". وقد شبّه الرسول (ص) المرأة الحسناء المنظر، الرديئة الأصل في الفساد والإضرار بالنبتة، تنبت في أرض ملوثة بالأقذار؛ إذ تبدو جميلة في منظرها، سريعة في نموها، ولكنها ضارة بالحيوان الذي يأكلها. وفي حديث آخر "تنكح المرأة لأربع: لمالها، ولحسبها، ولجمالها، ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك"، وقد خصص ذات الدين؛ لان الدين أفضل العناصر الأربعة كلها. فالثلاثة الأولى حينية مؤقتة، لا تتجاوز هذه الحياة الدنيا على أقصى تقدير، بخلاف الدين ففائدته تتجاوز الدنيا إلى الآخرة (وَالأَخِرَةُ خَيْرُ وَأَبْقى) [ الأعلى: 17].
    3- مجالات جمال الكون في القرآن الكريم:
    نعرض لمجالات الجمال في الكون والوجود مما نبصره ونشاهده ونراه، فمن ذلك الجمال في صورة الإنسان؛ إذ يمتن الله، سبحانه وتعالى، على عباده في تحسين صورتهم، وتعديل خلقتهم، وتقويم هيئتهم لإستشراف القيم الجمالية في خلقهم، فيقول: (لَقَدْ خَلَقْنا الإنسانَ في أحْسَنِ تَقْويمٍ) [التين: 4] ويقول أيضاً-: (يا أَيُّها الإنسانُ ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَريمِ [6] الّذي خَلَقَكَ فَسَوَّكَ فَعَدَلَكَ [7] فِى أيِّ صُوَرَةٍ مَّا شآءَ رَكَّبَكَ) [الانفطار: 6- 8] وهكذا يأتي الإستفهام الإنكاري (وَفِى أنفُسِكُمْ أفَلَا تُبْصِرُونَ) [الذاريات: 21] أجل هو جمال خلق الله في أكرم مخلوقاته: الإنسان ذلك المخلوق العجيب الذي فيه تتجلى قدرة الخالق في جمال تركيبه، وحسن هيئته، وتناسق أعضائه وانسجامها، ذلك التركيب المترابط الذي إذا اختل منه جزء- ولو كان صغيراً- تأثرت به سائر الأجزاء الأخرى.
    وصورة الطبيعة تتميز بالجمال في كل شيء: السماء، والطير، والأرض، والبحر. كل ما في الوجود مظاهر جمالية رائعة، ومعالم شخاصة تكشف قدرة الصانع الذي أوجدها على هذه الصورة: السماء وما فيها من مجرات وكواكب ونجوم، وسحب وأمطار؛ إذ يقول تعالى: (الّذي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ طِباقاً مَّا تَرَى فِى خَلْقِ الرَّحمانِ مِن تَفاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ [3] ثُمَ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنقَلِبْ إلَيْكَ الْبَصَرُ خاسِئاً وَهُوَ حَسِيرُ،) [الملك: 3- 4] ويدعو مرة أخرى إلى النظر إلى متانة بناء السماء وجمال زينتها فيقول: (أفَلَمْ يَنظُرُواْ إلى السَّمآءِ فَوْقَهُمْ كَيفَ بَنَيْناها وَزَيَّنّاها وَمَا لَهَا مِن فُرُوجٍ،) [ق: 6] وينبه إلى جمال زينة البروج فيقول: (وَلَقَدْ جَعَلْنا فِى السَّمآءِ بُرُوجاً وَزَيَّنّاها لِلنّاظِرينَ،) [الحجر: 16] تأمّل في الدقة المتناهية في حركة الأجرام السماوية، بكتلها المختلفة، وأشكالها المتنوعة، كُلٌّ يدور في فلك معين، ومدار محدد دون إنحراف: (لَا الشَّمْسُ يَنبَغِى لَهَآ أن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا الَّيلُ سابِقُ النَّهَارِ وَكُلُّ فِى فَلَك يَسْبَحُونَ،) [يس: 40] تدبّر في هذا التناسق البديع في تعاقب الليل والنهار، وتبادل أدوارهما: (يُولِجُ الَّيْلَ فِى النَّهارِ ويُولِجُ النَّهارَ فِى الَّيْلِ،) [الحديد: 6] ويقول عز وجل: (يُغْشِى الَّيلَ النَّهارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً،) [الأعراف: 54] وتستشعر في أجواء الليل سكونه وهدأته بعد صخب النهار وضجته، وفي عالم السماء انظر إلى تلك الطير محلقة في الجو، ترفرف بأجنحتها حيناً، وتقبضها حيناً، وتبسطها أحياناً أخرى: (أوَلَمْ يَرَوْا إلَى الطَّيْرِ فوْقَهُمْ صافّاتٍ وَيَقْبِضْنَ ما يُمْسِكُهُنَّ إلّا الرَّحْمانُ إنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصيرٌ) [الملك: 19].
    وعالم الأرض وما فيها من جبال ومحيطات وبحار وأنهار، وما عليها من إنسان وحيوان ونبات وجمادات، كلها مظاهر جمالية فنية تشهد بجلال قدرة صانعها المولى عز وجل. ففي سياق تعميق العقيدة وربطها بالخالق، يذكر الله بما زين به الأرض من الحدائق، وما أجراه من الأنهار فيقول: (أمَّنْ خَلَقَ السَّماواتِ والأرْضَ وأنزَلَ لَكُم مِّنَ السَّمآءِ ماءً فأنبَتْنا بِهِ حَدآئِقَ ذاتَ بَهْجَةٍ ما كانَ لَكُم أن تُنبِتْوا شَجَرَها أءِلَهٌ مَّعَ اللهِ بَلْ هُمْ قَوْمُ يَعْدِلُونَ [60] أمَّن جَعَلَ الأرْضَ قَراراً وَجَعَلَ خِلالَهآ أنْهاراً وجَعَلَ لَها رَواسِى وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحرَينِ حاجِزاً أءِلَهُ مَّعَ اللهِ بَلْ أكُثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ،) [النمل: 60- 61] ويذكر كذلك بأزواج النبات والزرع والنخل والباسقات فيقول: (وَالأرضَ مَدَدْناها والقَيْنا فيها رَوَاسِى وأنبتْنا فيها مِن كُلِّ زَوجِ بَهِيجٍ [7] تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عبد مُّنيبٍ [8] وَنَزَّلْنا مِنَ السَّمآءِ مآءً مُّبارَكاً فَأنبَتْنا بِهِ جَنّاتٍ وَحَبَّ الْحَصيدِ [9] والنَّخْلَ باسِقاتٍ لَّها طَلْعُ نَّضيدُ) [ق: 7- 10].
    وعلى سطح الأرض نجد في النبات الخضرة ذات الثمرات، وذلك في قوله تعالى: (وَهُوَ الذي أنزَلَ مِنَ السَّمآءِ مآءً فَأخْرَجْنا بِهِ نَباتَ كُلِ شَيءٍ فأخرَجْنا مِنْهُ خَضِراً نُّخْرِجُ مِنْهُ حَبّاً مُّتَراكِباً وَمِنَ النَّخْلِ مِن طَلُعَهَا قِنْوانُ دانِيةُ وَجَنّاتٍ مِّنْ أعْنابٍ والزَّيْتُونَ والرُّمَّانَ مُشْتَبِهاً وَغَيْرَ مُتَشابِهٍ انظُرُواْ إلى ثَمَرِهِ إذَآ أثْمَرَ وَيَنْعِهِ إنَّ فِى ذلِكُمْ لَأياتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) [الأنعام: 99] هذه الآية الكريمة- رغم قصرها- لوحة فنية متكاملة بين إنزال الماء من السماء، وإخراج النبتة الخضراء الخلابة في الجمال، فاستقامتها على سوقها، فخروج الحبات المركبة بعضها على بعض، في ألوان مختلفة زاهية، هذه الأنواع من النبات والفواكه: حب ونخل وعنب وزيتون ورمان، وغيرها، مختلفة الألوان والأشكال وهي مجتمعة، مختلفة الألوان مع تعدد كل نوع منها على حدة: لون حال خروج الثمار جديداً، ولون حال ينعه يتراوح بين أخضر وأصفر وأحمر، وأسود وبني وزيتي اللون، كلها آيات من الله تعالى- لقوم يؤمنون، إن تفكروا في قدرة خالقها. ويتكرر وصف هذه الثمرات (وَهُوَ الذي أنشَأَ جَنّاتٍ مَّعرُوشاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشاتٍ والنَّخْلَ والزَّرْعَ مُخْتَلِفاً أُكُلُهُ والزَّيْتُونَ والرُّمَّانَ مُتَشابهاً وَغَيْرَ مُتَشابِهٍ كُلُواْ مِن ثَمَرِهِ إذآ أثْمَرَ) [الأنعام: 141] وتتجاوز مظاهر الجمال الزرع إلى الجبال وألوان صخورها بل الناس والدواب والأنعام، وذلك في قوله تعالى: (ألَمْ تَرَ أنَّ اللهَ أنزَلَ مِنَ السَّمآءِ ماءً فَأخْرَجْنا بِهِ ثَمَراتٍ مُّخْتَلِقاً ألْوانُها وَمِنَ الجِبالِ جُدَدُ بِيضُ وَحُمْرُ مُّختَلِفٌ ألْوانُها وَغَرابِيبُ سُودُ [27] وَمنَ النَّاسِ والدَّوَآبِّ والأنْعامِ مُخْتَلِفٌ ألْوانُهُ كذلِكَ إنَّما يخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَمَآءُ إنَّ اللهَ عَزيزٌ غَفُورٌ) فاطر: 27- 28] هذا التنوع في الجمال، لإستشعار عظمة الخالق، لذلك كان العلماء أكثرهم خشية لله.
    ومظاهر الجمال لا تقتصر على مظاهر الزرع، بل تكمن في طعوم المآكل (وَفِى الأرْضِ قِطَعُ مُّتَجاوِراتُ وَجَنّاتُ مِّن أعْنابٍ وَزَرْعُ وَنَخِيلُ صِنْوانُ يُسقى بِماءٍ واحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَها عَلَى بَعضٍ فِى الأُكُلِ إنَّ فِى ذلِكَ لَأياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) [الرعد: 4] ما أبدع قدرة الله في صنعها! ماء واحد تسقى به الأرض فتخرج ثماراً مختلفة في الطعوم: بين حلو ومر وحامض.
    وفوق هذه الأرض مع النبات والزرع والثمار أصناف الأنعام والحيوان، وتجتمع هذه الأصناف في لوحة واحدة ضمن آيات متتابعة في سورة النحل، مع تنبيه القرآن إلى عنصري الجمال والمنفعة فيها، وذلك في قوله تعالى: (والأنْعامَ خَلَقَها لَكُمْ فيهَا دِفْءُ وَمَنافِعُ وَمِنْهَا تَأكُلُونَ [5] وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ [6] وَتَحْمِلُ أتْقالَكُمْ إلى بَلَدٍ لَّمْ تِكُونُواْ بالِغِيهِ إلا بِشِقِّ الأنفُسِ إنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفُ رَّحِيمُ [7] والْخَيْلَ وَالْبِغَالَ والْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوها وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مالَا تَعْلَمُونَ) [النحل: 5- 8].
    انظر إلى ذلك البحر المتلاطم الأمواج: الجبار حتى لتهابه الجواري العظام، الوضيع حتى ليركبه الطفل الصغير، النافع بلحمه الطري وحليته (وَهُوَ الّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأكُلُوا مِنْهُ لَحْماً طَرِيّاً وَتسْتَخرِجُواْ مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) [النحل: 14].
    كل هذا الجمال والتنوع في الأرض والزرع، والسماء والطير، والبحر بأمواجه وباطنه يوجّه القرآن فيها النظر إلى الجمال بجانب المنفعة، وقد جعلهما الله عناصر لجذب انتباه الإنسان إلى استشعار خالقه، وما يستتبع ذلك من إيمان به، وعبادته وحده، ولكن أكثر الناس لا يتفكرون إلا قليلا، (وَكَأيِّن مِّنْ ءَايَةٍ فِى السَّماواتِ والأرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وُهُمْ عَنْهَا مُعرِضُونَ) [يوسف: 105].

























    [

      مواضيع مماثلة

      -

      الوقت/التاريخ الآن هو الخميس مارس 28, 2024 10:53 am